التاريخ : 2020-08-23
الثقة والأمان في زينة البلدان
جميل النمري
« تطلب الأمر 3 أيام سفر و قبلها اسابيع عديدة بين تأجيل و تأويل و الغاء تذاكر و مراسلات مع مختلف الجهات حتى نقطع أكثر من 5000 كيلومتر من مدينة بعيدة في بنغلادش يفتك بها الوباء الى عمّان الأمان ... و لكن أن تبدأ صباحك يإطلالة كهذه على هذه المدينة الرائعة يستحق كل لحظة «مرمطة و شنططة»... لا يمكن تصور الجهود الجبارة من اجهزتنا الامنية و مركز إدارة الازمات و كافة الكوادر المعنية لضمان عودتنا الآمنة و ضمان صحتنا و صحة وطننا، ما قصروا و كانوا جاهزين ليلا نهارا لتيسير نقلنا خلال رحلة مليئة بالعقبات... لا نستطيع ان نوفيهم حقهم من الشكر و الامتنان. نمزح كثيراً عن «الأمن و الأمان» في بلدنا و لكن ابدأ صباحي العمّاني اليوم بادراك و تقدير مختلف لهذه النعمة بعد خمس أشهر من انعدام كامل لهذه المشاعر و الكثير من القلق و الخوف بعيداً عن بلدنا. صباحكم مليء بالطمأنينة و الأمان.
# يا_زينة_البلدان «
أنقل النص أعلاه عن صفحة ابنتي في يومها الأول من الحجر في الفندق على الدوار السادس بعد عودتها مع زوجها من بنغلادش حيث يعملان مع مفوضية الأمم المتحدة للاجئين وقد أرفقته بفيديو لمشهد عمان الصباحي من نافذة الغرفة وأغنية يا زينة البلدان يا بلدنا. ومن الواضح انها تعيش مشاعر السعادة الغامرة بوجودها في الأردن والحب لكل تفصيل فيه والاعتزاز بالأداء الرفيع لكل اصحاب الشأن في موضوع الوباء وعمليات الاخلاء.
نعرف من زمان ان خير وسيلة للتغلب على السوداوية والنظرة السلبية للحياة في بلدنا هو المقارنة مع بلدان أسوأ فما بالك ان تكون عائدا من معايشة لعامين في بلدة بنغالية على الحدود مع مليون لاجىء من الروهينغا والأشهر الأخيرة في ظروف كورونا.. الاردن سيبدو رائعا في كل شيء ...الناس النظافة الترتيب الوفرة النظام التنظيم الانضباط المسؤولية المعاملات الشرطة الأجهزة الكفاءة .. وأخيرا الثقة والأمان الذين لن تعرف قيمتهما الا حين تكون في اوضاع ينعدم فيها الأمان وتنعدم فيها الثقة مع كل ما يحيط بك.
وليس ضروريا ان تذهب بعيدا يكفي أن تفكر في اي من دول الجوار حولنا دون استثناء لتتعوذ من الشيطان الرجيم ومن كابوس أن تكون مواطنا هناك. لكن الانسان يتعامل مع ميزات بلده كتحصيل حاصل ويتطلع للأفضل وهذا حق، لكن الواجب ونحن ننتفد ونغضب ونسخط، أن نتذكر اننا نتمتع بما يفتقده كثيرون. نحن بلد متقدم نسبيا مستقر وآمن يسوده النظام وحكم القانون والمؤسسية، بلد نجى بأهله من عواصف الانقسامات والصراعات والعنف المسلح، بلد متحضر وأناسه متعلمون وطموحون يتطلعون للأفضل.
كل مقالاتي تقريبا انتقادية تحلل الواقع أو تسلط الضوء على السلبيات وأوجه القصور وتقترح الخيارات والبدائل. وغالبا ما أكون محبطا وسط المعاناة مع البطء والمراوحة والتعثر وهيمنة قوى الشد العكسي. والحال أن انغماسنا في الواقع اليومي يجعلنا نغفل عن تقدم يتراكم ولا نراه. ولا بد من مقارنات لرؤية المشهد الكلي والحصول على شحنات ايجابية. وأمس غمرتني موجة منعشة من مشاعر الوطنية والحب والزهو ببلدنا ونظامنا وقيادتنا وعاصمتنا وشرطتنا وموظفينا ومؤسساتنا وانا « أرانا « بعيني هذه الصبية العائدة من أصقاع قصية الى وطنها الأردن.